أثر المباني الشاهقة على البيئة الحضرية
الدكتور ياسر محجوب ، قسم العمارة والتخطيط العمراني ، كلية الهندسة ، جامعة قطر
المباني الشاهقة: علاقة الحب والكراهية!
المباني العالية هى التعبير الحديث لرمز قديم للمباني العالية التي تربط الأرض بالسماء. فبالإضافة إلى تلبية الاحتياجات الوظيفية والاقتصادية فان المباني العالية رمزا للتحديث والتنمية والعولمة, فهي مصدر للفخر الوطني والتعبير عن الهوية الثقافية والعولمة والرخاء الاقتصادي. وفي منطقة الخليج العربي فإنها تشكل تحديات عديدة لدمجها مع النسيج العمراني للمدن الناشئة في منطقة الخليج وأصبحت معالم بارزة استحوذت على اهتمام الرأي العام والدولي. وبغض النظر عن وظيفتها واستخداماتها فهناك علاقة "حب وكراهية" تربطنا مع المباني العالية لا يمكن تجاهلها. هل هي بناء "للوظيفة" أم "للموضة"، هل تركز على "الاستخدام" أم "النظر"، هل تحقق "الجدوى" أم "الرؤية"، وبالإضافة للتكلفة الكبيرة والتأثير على نسيج المدينة فان التغييرات التي تحدثها المباني العالية دائمة ومستمرة وهناك قلق متزايد بين المهنيين من تأثير البنايات العالية على استدامة البيئة الحضرية.
المباني العالية في الشرق الأوسط
وفقا لCTBUH ، ستقام ربع مشاريع المباني العالية في العالم في المستقبل في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في قطر والسعودية ودبي وأبو ظبي. المباني العالية في الشرق الأوسط غالبا ما تحمل دلالة الفخر والإنجاز، فهي مصادر للفخر الوطني والتعبير عن الهوية الثقافية والعولمة الرخاء الاقتصادي. فإنها تفرض تحديات عديدة لدمجها مع النسيج العمراني للمدن الناشئة في دول مجلس التعاون الخليجي (GCC) وتتسابق عدة دول في المنافسة لبناء المباني العالية لتلبية الطلب المتزايد على المساحات المكتبية. فقد كان للتطور السريع في الدوحة بسبب التحضر السريع والتنمية التي يمر بها منذ منتصف القرن العشرين إنشاء عدد كبير من المباني العالية والأبراج في منطقة الدفنة من خليج الدوحة ، وهذه المباني تؤثر على جوانب مختلفة من البيئة العمرانية والحضرية وصورة المدينة والمرور والمساحات الحضرية والخضراء.
الاستدامة والمباني الشاهقة
لا يمكن أن تعتبر المباني العالية مباني خضراء أو مستدامة بسبب استهلاكها لكميات كبيرة من مواد البناء والتشييد خلال مراحل الإنشاء وأثناء التشغيل ونظرا لنقل كميات كبيرة من المواد والخامات ، فأن المباني العالية تستهلك الطاقة وتتطلب مزيدا من المضمون المادي لبناء نظامها الهيكلي لتحمل أعلى درجات الانحناء التي تسببها قوة الرياح في المستويات العليا.وتستهلك طاقة إضافية للحركة الآلية للناس صعودا ونزولا في المصاعد بالإضافة للجوانب الأخرى الناشئة عن الارتفاع العمودي المفرط. ولا غنى عن تطوير تشريعات التخطيط الحضري وقوانين تصميم المباني العالية لتكون أكثر استدامة وتوفيرا للطاقة. وسوف تستمر المباني العالية في مطالب النمو الحضري والمدينة في توفير مساحات وظيفية وتركيز الخدمات والموارد. ونتيجة لذلك، ينبغي على المصممين أن يسعوا للتخفيف من الآثار السلبية على البيئة وتقديم اقتراحات للمبادئ التي ينبغي احترامها عند وضع التشريعات واللوائح لبناء المباني العالية في المستقبل من أجل تحقيق البيئة الحضرية والبيئية المستدامة. فبينما تشمل مزايا المباني العالية استخدام الأراضي المكثف و تطوير كفاءة استخدام الاراضى وتحقيق الطفرة الاقتصادية و تعدد الاستخدامات المختلطة وتشجيع تطوير العلوم والتكنولوجيا فان عيوبها تشمل ارتفاع استهلاك الطاقة وزيادة درجة الحرارة نتيجة الانحباس الحراري بينها وارتفاع استهلاك المواد الإنشائية وارتفاع الانبعاث الكربونى وزيادة الرياح الثانوية بالمدينة.
التأثير على البيئة الحضرية
إن زيادة إنشاء المباني العالية المتلاصقة أدي إلى ظهور بيئة حضرية سلبية، فهي تمنع الاستمرارية البصرية والوظيفية والمكانية بين الأجزاء المختلفة للمدينة وساعد إنشاء المباني العالية الشاهقة المتلاصقة تغيير أنماط حياتنا واستهلاك كنا للطاقة وما تبعه ذلك من آثار سلبية على البيئة. المباني العالية هي رسائل مرئية كبيرة لمدى استدامة ممارساتنا المهنية. فمع توقع بناء 800 مشروع جديد خلال السنوات العشر المقبلة في منطقة الشرق الأوسط ، فمن المهم الحفاظ على الشعور بالهوية الثقافية والمكانية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير المشروعات بما يحقق انتماء المجتمع للمدينة والمناطق الحضرية على أساس المفاهيم الحديثة بالجمع بين العمارة العربية التقليدية مع التقنيات المتطورة التي تمكن من تحقيق نتائج مستدامة ثقافية واجتماعية وبيئية واقتصادية. إن الأجيال المقبلة سوف تقيم ما إذا كانت استراتيجياتنا لبناء المباني العالية تحقق الجوانب الوظيفية ام فقط للرغبة في التميز. لذلك ينبغي إعادة النظر في ممارسة بناء المبانى العالية المجاورة لبعضها البعض في منطقة واحدة من المدينة مما خلق بيئة حضرية سلبية وطاردة خصوصا بعد ساعات العمل، حيث ينبغي استخدام المباني العالية كنقاط اتصال لاستخدامات مختلطة متباعدة حيث تساعد هذه الاستراتيجية على تفريق الاختناقات المرورية وخلق تجارب متنوعة بالمدينة.
المباني العالية والمدينة
عندما يتعلق الأمر ببناء مباني عالية فان المشكلات التقنية للبناء ليس من الصعب التغلب عليها باستخدام التقنيات العلمية والهندسية، فبينما تمكننا التكنولوجيا من بناء المبانى العالية كما نشاء فان السؤال الأساسي هو "هل يجب أن نواصل بناء المبانى العالية وكيف! ان المقولة الشهيرة للسير ونستون تشرشل : "نحن نشكل المباني، وبعد ذلك فإنهم يشكلوننا" ينبغي تغييرها إلى "نحن نشكل مدننا وبعد ذلك فانهم يشكلوننا"، ان المدن والبيئة الحضرية المحيطة بالمبانى هي أكثر أهمية في تشكيل التجربة الانسانية اليومية كسياق لتوجد هذه المباني أكثر من المباني الفردية.
No comments:
Post a Comment